د. محمد الوليدي
🛎
في التغريدات التالية أشارككم رحلة ابتعاثي وتعلّمي اللغة الانجليزية في دولة استراليا.. هذه الرحلة أسميها (رحلة العمر) امتدّت لعشر سنوات. ابتدأت بمستوى (صفر) في اللغة، وانتهت بأبحاث منشورة ودكتوراة بتفوّق من جامعة تصنّف رقم ٤٦ على مستوى العالم والحمد لله🎓.
١
ابتدأت رحلة ابتعاثي في العام ٢٠٠٩ .. وطأت أقدامي مدينة برزبن باستراليا فجر يوم الثلاثاء ٢٧ مارس. كان المكان يخيّم عليه السكون، والمطار خالٍ إلا من عدد من رجال الجوازات والجمارك وكلبَين -أعزكم الله- ؛لأن رحلتنا كانت آخر الرحلات ذلك اليوم.
٢
٢
كان صاحبي في السفر زميل عزيز لي..هو وأنا لا نعرف من الانجليزية إلا (وات) (ذس ون).. (سأودي اريبيا قود)..حرفيا..لغتنا تصيح في الزاوية.🤒 كنا في الطابور لختم جوازاتنا يدفعني وأدفعه..كلّ واحد منا يقدّم الآخر ليتحدث😇.. ختمت جوازاتنا..أخذنا عفشنا، ولم نشعر بأنفسنا إلا خارج المطار.
٣
٣
أخذنا التاكسي إلى العائلة الاسترالية التي كان النادي السعودي هناك قد نسّق إقامتنا لديها.. وصلنا وإذا بأفراد العائلة، الأب والأم وابنهم (١٨ عاما) في استقبالنا..طبعاً اللغة صفر.. طريقة التواصل هي لغة الجسد وابتسامة😊
٤
٤
دخلنا المنزل وقت الفجر.. وضعت أغراضي وأنا في قمة الإرهاق وتعب السفر.. لكنني في نفس الوقت في قمة حماسي للذهاب لمعهد اللغة.. لابتداء الدراسة التي طالما حلمت بها، بل في قمة حماسي لاكتشاف هذه الحياة الجديدة كليّا.
٥
٥
في الصباح ذهبتُ للمعهد لإثبات الحضور. كان يلفت انتباهنا شخصا -سعوديا- يتحرك يمينا ويساراً يحاول مساعدة السعوديين قدر استطاعته.. يوجه ويرشد.. يجري اتصالات بهاتفه.. والابتسامة لا تفارقه، توقعنا أنه موظف من الملحقية مُكلّف بمساعدة الطلبة السعوديين الجدد👔
٦
٦
ذهبت إلى هذا الأخ طالباً منه مساعدتي في إجراءات القبول في المعهد.. كنتُ أنظر إليه بإكبار.. طبعاً موظف ملحقية وخبير في البلد🏅.. ونحن في الطريق إلى مكتب الاستقبال يطمئنني ويهدّيء من روعي ويخفّف عني.. ارتحت قليلا وشكرته.. وصلنا إلى الاستقبال، وكانت المفاجأة!!🤔
٧
٧
هذا الصّديق (وهو بالتأكيد يقرأ هذه التغريدات)لم يكن يفقه من اللغة شيئاً🤨 لكن أعطاه الله جرأةً وثقة في النفس كبيرة..يجادل ويناقش ويضحك ويفاوض..كل ذلك عن طريق Yes و No و Ok ولغة جسد تلقف ما تساقط من كلمات فتنقذه عند الحاجة..كانت هذه من أكبر الدروس عن أثر الثقة بالنفس في النجاح.
٨
٨
أدّيت اختبار تحديد المستوى (المستوى الأول😎).. التحقت بفصل كان كلّ الطلاب فيه سعوديون🤒.حقيقة شعرتُ بالإحباط؛ إذ كيف أطوّر نفسي وأنا بين سعوديين طوال اليوم (الاحباط رقم ١).جلستُ فترة البريك لوحدي وأنا في قلق وحيرة..وبينما أنا في زخم هذا القلق أتاني الفرج، أو هكذا كنتُ أظنّه👌.
٩
٩
كان أحد الإخوة السعوديين مارّا فلمحني في حيرتي فتوقّف وسلّم عليّ.. عرّفته بنفسي، وسألني عن حالتي.. أخبرته بقصتي وقلقي على تعلّم اللغة والحياة الجديدة في بلد البعثة.. خصوصاً وأنّ تخصصي في البكالوريوس هو اللغة العربية.. ردّ مبتسماًً وقال: ايييييييه .
١٠
١٠
ايش جابك؟ أنت لغة عربية، لو درست داخلي وافتكّيت من (الهجولة) والغربة.. الدّراسة هنا للأمانة (ناصح ما شاء الله عليه🤨)صعبة..لكن عموما الله يوفقك" رمى عليّ الكلمات ومضى في حال سبيله.. إلى الآن والله لا أنسى كلماته.. ربّ كلمة منك لا تلقي لها بالاً.. تقتل حلُما، تُضعف عزما😔
١١
١١
بالمناسبة، يستغرب كثيرُ خريجي اللغة العربية كيف يدرسون برا!! تدرُسوا عربي؟! لا يا صديقي!! مجال اللغة واسع..اللغويات التطبيقية (مجالي)تُعنى بطرق تعليم اللغة الثانية (أيّا كانت هذه اللّغة)،وبالعكس الإفادة من تقدّم الغرب في طرق التدريس يلزم مواكبة هذا التطور والإفادة ممّا لديهم.
١٢
١٢
نرجع لموضوعنا.. حينها اسودّت الدنيا في وجهي وعقدتُ العزم على العودة.. رغم أنّي لم يمض علي وصولي سوى يوما واحداً.. ولكن هي النّفسُ إذا طابت.. رسالتي لكلّ أب، معلم، مربّي.. احذروا بدايات الأمور.. العزائم رطبة تحتاج من يحفّزها لتشتدّ وتصلب.. ادعموا، شجّعوا، حفّزوا🍃
١٣
١٣
ركبتُ الباص عاقداً العزم على العودة لولا لطفُ الله.. ركب معي في الباص أحد الإخوة السعوديين (طالب دكتوراه)، لاحظ عليّ وجهي الهمّ.. سألني: ايش بك يا فلان؟! أخبرته بقصتي مع صاحبنا وأنّ هذا ليس مكاني... ضحك كثيراً وقال: وصلك ذاك؟! وكان ذلك الشخص معروفا بتشاؤمه من كلّ شيء.
١٤
١٤
تحدّث إليّ بكلام محفّز أوقد شعلة العزم في نفسي من جديد؛ أخبرني بأنّه لم يعد أي طالب بدون شهادة، وأنّ البدايات هي نفسها مع الجميع.
عندها ارتفع الحماس وعقدتُ العزم أن أخرج أفضل ما لديّ لتطوير لغتي..بدأت الدراسة في المعهد ونصب عيني الحصول على درجة اللغة المطلوبة لدخول الجامعة.
١٥
عندها ارتفع الحماس وعقدتُ العزم أن أخرج أفضل ما لديّ لتطوير لغتي..بدأت الدراسة في المعهد ونصب عيني الحصول على درجة اللغة المطلوبة لدخول الجامعة.
١٥
كنتُ في البداية في حماس كبير لحفظ كلمات.. فكنت أحفظ عدداً كبيراً من الكلمات التي نأخذها يوميا في المعهد، يصل عددها إلى ١٥ كلمة في اليوم.. مع مرور الوقت وجدتُ أنني أنسى الكلمات القديمة.. ففي اليوم السابع مثلا، أنسى كلمات اليوم الأول وهكذا.
١٦
١٦
عرضتُ هذه المشكلة على معلمتي في المعهد فقالت لي جملة قصيرة لا أنساها (Use It Or Losr It)، بمعنى مارسها أو ستفقدها.. عندها بدأتُ أفكّر كيف أمارس هذه الكلمات؟ وما الطريقة؟ ومن سيتبرّع بأن أمارس معه هذه الكلمات؟🙇
١٧
١٧
قابلت عددا من الطلاب المسلمين في مصلّى الجامعة.. أخبرتهم برغبتي في ممارسة اللغة.أبدوا موافقتهم على ممارسة اللغة معي..كنتُ أنتهي من المعهد في الرابعة عصراً، ثمّ أذهب إلى المصلّى.. أبقى هناك حتى العِشاء.. كنتُ حريصاً ألّا أتكلم إلا الانجليزية، حتى مع العرب الذين يأتون للصلاة..
١٨
١٨
بقيتُ على هذه الحالة لخمسة أشهر تقريبا.. صُدمتُ حقيقة من التحسّن السريع في لغتي بصورة لم أرسمها حتّى في مخيّلتي، لذلك نصيحتي الأولى والأخيرة، الممارسة، الممارسة، ثمّ الممارسة👑
١٩
١٩
أتوقّف هنا، وأكمل غداً بإذن الله قصة التحاقي بنادي التوستماسترز (نادي الإلقاء والخطابة)، والأثر الكبير، والكبير جدا الذي تركه عليّ في تطوير لغتي بشكل خاص، وحياتي بشكل عام.. وللقصة بقيّة👍
٢٠
٢٠